سورة المائدة - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)}
لما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله بالمسير إلى أريحاء أرض الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة، وقال لهم: إني كتبتها لكم داراً قراراً، فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها، وإني ناصركم، وأمر موسى عليه السلام بأن يأخذ من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم، فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل، وتكفل لهم به النقباء وسار بهم، فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون، فرأوا أجراماً عظيمة وقوّة وشوكة فهابوا ورجعوا وحدّثوا قومهم وقد نهاهم موسى عليه السلام أن يحدثوهم، فنكثوا الميثاق، إلا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا، ويوشع بن نون من سبط أفراثيم بن يوسف، وكانا من النقباء. والنقيب: الذي ينقب عن أحوال القوم ويفتش عنها، كما قيل له: عريف، لأنه يتعرفها {إِنّى مَعَكُمْ} أي ناصركم ومعينكم {وعزرتموهم} نصرتموهم من أيدي العدوّ. ومنه التعزير، وهو التنكيل والمنع من معاودة الفساد. وقرئ بالتخفيف يقال: عزرت الرجل إذا حطته وكنفته. والتعزير والتأزير من واد واحد. ومنه: لأنصرنك نصراً مؤزراً، أي قوياً.
وقيل معناه: ولقد أخذنا ميثاقهم بالإيمان والتوحيد وبعثنا منهم اثني عشر ملكاً يقيمون فيهم العدل ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر. واللام في {لَئِنْ أَقَمْتُمُ} موطئة للقسم وفي {لأَكَفِّرَنَّ} جواب له، وهذا الجواب سادّ مسدّ جواب القسم والشرط جميعاً {بَعْدَ ذَلِكَ} بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم.
فإن قلت: من كفر قبل ذلك أيضاً فقد ضلّ سواء السبيل.
قلت: أجل، ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم، لأنّ الكفر إنما عظم قبحه لعظم النعمة المكفورة، فإذازادت النعمة زاد قبح الكفر وتمادى {لعناهم} طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا. وقيل: مسخناهم. وقيل: ضربنا عليهم الجزية {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قاسية} خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم. أو أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست.
وقرأ عبد الله: {قسيَّة}، أي ردية مغشوشة، من قولهم: درهم قسيّ وهو من القسوة؛ لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة، والقاسي والقاسح- بالحاء- أخوان في الدلالة على اليبس والصلابة وقرئ: {قسية}، بكسر القاف للإتباع {يُحَرّفُونَ الكلم} بيان لقسوة قلوبهم، لأنه لا قسوة أشدّ من الافتراء على الله وتغيير وحيه {وَنَسُواْ حَظَّا} وتركوا نصيباً جزيلاً وقسطاً وافياً {مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} من التوراة، يعني أن تركهم وإعراضهم عن التوراة إغفال حظ عظيم، أو قست قلوبهم وفسدت فحرّفوا التوراة وزالت أشياء منها عن حفظهم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية. وتلا هذه الآية. وقيل: تركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ} أي هذه عادتهم وهجيراهم وكان عليها أسلافهم كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ينكثون عهودك ويظاهرون المشركين على حربك ويهمون بالفتك بك وأن يسموك {على خَائِنَةٍ} على خيانة، أو على فعلة ذات خيانة، أو على نفس، أو فرقة خائنة.
ويقال: رجل خائنة، كقولهم: رجل راوية للشعر للمبالغة. قال:
حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُن *** لِلْغَدْرِ خَائِنَةً مَضَلَّ الأُصْبُعِ
وقرئ على خيانة {مّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ} وهم الذين آمنوا منهم {فاعف عَنْهُمْ} بعث على مخالفتهم.
وقيل هو منسوخ بآية السيف. وقيل: فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم.


{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)}
{أَخَذْنَا ميثاقهم} أخذنا من النصارى ميثاق من ذكر قبلهم من قوم موسى، أي مثل ميثاقهم بالإيمان بالله والرسل وبأفعال الخير، وأخذنا من النصارى ميثاق أنفسهم بذلك.
فإن قلت: فهلا قيل: من النصارى؟ قلت: لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله، وهم الذين قالوا لعيسى: نحن أنصار الله، ثم اختلفوا بعد: نسطورية، ويعقوبية، وملكانية. أنصاراً للشيطان {فَأَغْرَيْنَا} فألصقنا وألزمنا من غري بالشيء إذا لزمه ولصق به وأغراه غيره. ومنه الغراء الذي يلصق به {بَيْنَهُمْ} بين فرق النصارى المختلفين. وقيل: بينهم وبين اليهود. ونحوه {وكذلك نُوَلّى بَعْضَ الظالمين بَعْضاً} [الأنعام: 129]، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 69].
{يا أَهْلَ الكتاب} خطاب لليهود والنصارى {مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ} من نحو صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نحو الرجم {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} مما تخفونه لا يبينه إذا لم تضطر إليه مصلحة دينية، ولم يكن فيه فائدة إلا اقتضاء حكم وصفته مما لابد من بيانه، وكذلك الرجم وما فيه إحياء شريعة وإماتة بدعة.
وعن الحسن: ويعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه {قَدْ جَاءكُمْ مّنَ الله نُورٌ وكتاب مُّبِينٌ} يريد القرآن، لكشفه ظلمات الشرك والشك، لإبانته ما كان خافياً عن الناس من الحق. أو لأنّه ظاهر الإعجاز {مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ} من آمن به {سُبُلَ السلام} طرق السلامة والنجاة من عذاب الله أو سبل الله.


{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
قولهم: {إِنَّ الله هُوَ المسيح} معناه بتّ القول، على أن حقيقة الله هو المسيح لا غير. قيل: كان في النصارى قوم يقولون ذلك. وقيل: ما صرّحوا به ولكن مذهبهم يؤدي إليه، حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم {فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً} فمن يمنع من قدرته ومشيئته شيئاً {إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ} من دعوه إلها من المسيح وأمّه دلالة على أن المسيح عبد مخلوق كسائر العباد. وأراد بعطف {مَن فِي الأرض} على (المسيح وأمّه) أنهما من جنسهم لا تفاوت بينهما وبينهم في البشرية {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} أي يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى من غير ذكر كما خلق عيسى، ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم. أو يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة له، وكإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك. فيجب أن ينسب إليه ولا ينسب إلى البشر المجرى على يده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8